غربةٌ هناك وغربةٌ في الوطنْ
تبعثرتْ أوراقي كما جفَّ المدادُ
ضاعتْ الهويةُ كما جَفاني الضادُ
ماذا جنيتُ من الإغترابِ سوى
دمعةً في بهيمِ الليلِ تزدادُ
طوتني سنواتُ العمرِ في النوى
فإذا المشيبُ في الرأسِ قتّادُ
تَشُدُني الأمواجُ تسحقُني المرافئُ
و أروقةُ المدائنِ عليَ أندادُ
أرضُ الغريبِ وما للغريبِ أرضٌ
وليـسَ لهُ في الأرضِ إلا الرمــادُ
أيامي مثلُ الريحِ تمرُّ عدواً
وانفرطَ العمرُ المسافرُ الغوّادُ
أصوغُ الهمومَ قصيدةً محمومةً
وفي قوافيها آهاتٌ وحدادُ
أُناجي الثريا في صدى مسمعي
والذكرى التي استوحشَها الفؤادُ
يَسري في دِمايا حنينٌ للثرى
المسكُ الذي لا يطويهِ البعادُ
ويطوفُ في خاطري ملهاةُ الصبا
صباباتٌ كانَ يحملُها الودادُ
والحقولُ التي رَواها النيلُ حباً
وعلى خُضرِها الموّالُ والحصّادُ
وعادَ الغريبُ ليتَ أنّهُ لم يعدْ
فما رحبتْ دارٌ ولا لاحتْ بلادُ
أينَ مني تـلكَ الحشاشاتُ في الهـوى
ولهفةُ العشاقِ والسهدُ والرقادُ
لقاءُ العيونِ قدْ زالتْ أواصرُهُ
وكمْ كانَ في حنايا اللقاءِ حُسّادُ
هنا طواحينُ الهواءِ الغابرةُ
كانتْ تدورُ ومن حولهِا الأولادُ
أينَ تلكَ الشجيراتُ التي رواها
حلمُ الطفولةِ والشاعرُ الشوّادُ
بائعةُ الفولِ قد شدّتْ رحيلَها
و(الكـنتاكي) لهُ روّادٌ و روّادُ
كانَ احتساءُ الفناجينِ يُسكِرُنا
فأعوادُ الحطبِ جمرُها الوقّادُ
صارتْ (الكولا) في النهدينِ تُشرِبُنا
كلُ البقاعاتِ غريبةٌ و الزادُ
ومضتْ بأحداقِ العينِ طفلةٌ
يجري في دِماها نيلُنا الميادُ
سألتُ عن اسمِها وأنا أحاورُها
قالتْ: أنا (جاكلين) وأمي سعادُ !
أضعتُ العمرَ في البعادِ مرتحلاً
ليتني عُدتُ والغزاةُ ما عادوا
غربةٌ هناكَ وغربةٌ في الوطنِ
.. وا غربتاهُ في غربةٍ تزدادُ
................................
................................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى رابط :
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2011/08/18/235313.html