استهلال:
الجوانب الأخرى في حياة شاعرنا
بقلم : محمد مصطفى أبو مصطفى
يمكنك بسهولة ويسر من خلال قراءتك لهذا الديوان أن تتلمس ما منح الله عز وجل شاعرنا من موهبة شعرية منصهرة في شخصية جذابة فقلما تزاوج العنصران في كثير من الدواوين بينما الجوانب الأخرى في حياة شاعرنا أو ما وراء القصائد فقد أسعدني حظي بصداقتي العميقة بالشاعر للتعرف عليها والتي استقيت منه بفيضان كثيرا من أسمى معاني الحب لما يملكه من رقة وإحساس مرهفين وأخلاق دمثة شخصية تنأى بكثير عن صخب الحياة و اللهث وراء ماديتها فوجدت نفسي تهيم مع كل قصيدة يكتبها ، أي أن قصائده تعبر بحق عن شخصيته.
تلك الشخصية الرقيقة القوية المؤثرة فيمن حوله ، فكم لها من حضور مستحب ومميز في كل محفل أينما غدا أو جاء فأي مجلس حل به وجدت المجلس مفتونا بحلو روحه وحسن حديثه ورقة مشاعره وسداد رأيه ودائما نتمنى أن لا ينقضي الزمن الذي يطل فيه علينا وأن لا يبرح مكانا نحن فيه.
إنه شاعر الحب المستحيل الذي لا ينضب و الذي حمل في طيات أناته أحزان الناس ، إنه الروح الطروب الذي تعشق أن تسترق السمع له فبحق أني لا أشعر بغربتي عن الوطن وكأن الشاعر وطني الذي شغلت به في الخلد عن وطني . فلقد مر أكثر من عشرة أعوام على حظي السعيد بصداقته التقيت فيها معه أكثر من مائة عام في كل ثانية منها عمر جديد.
في شعر الإخوانيات ستجد خفة ظله الممزوجة بشعره في قصيدة (عصام) وقصيدة ( غسان ) وعن زيارته لصديقه عمر إدريس بالمستشفى أنشد قصيدة (عمر إدريس ) وعن حبه للمتنبي كتب رائعته ( المتنبي ) وعن تفاعله مع الأحداث اليومية فقد تأثر بالرسومات المسيئة لرسولنا الكريم في قصيدة ( لا يا دنمارك ) وعن موت (محمد الدرة ) فقد كتب ملحمة حوارية مشوقة ولقد تجلى في صمته كما تجلى في حديثه فتسمع صمته حين يقول:
لقدْ كانَ الصمتُ لغةً بيننا
و كلُ حديثٍ في العشقِ قُلناهُ
أدمعتْ الدموعُ لفرطِ أنينها
وهاجَ الصمتُ لصبرٍ صبرناهُ
وعن الاعتزاز بخصوصية شعره يقول :
أنا لستُ شوقي فالإمارةُ لهُ
ولستُ في الغربةِ مثلَ جبرانْ
وإنْ كانَ لذي الشعرِ من لقبٍ
فأنا الشاعر ُفي حُبِ سلوانْ
وعن انصهار الشعر والغربة يقول:
أضعتُ العمرَ يا للعمرِ أشقاهُ
واغربتاهُ في حِلِّي و ترحالي
هنا التقينا في هذا المكانِ أذكرهُ
وعن فيضان الجوى :
إنْ الليالي و إنْ فاضتْ بنورها
تشقى بلونِ السوادِ و تكتحلُ
حياتي محاقٌ فيها النوى يقتلُني
فكيفَ القمرُ بعدَ (سلوان) يكتملُ
وعن ذاتية شعره:
وأني الشاعرُ الصداحُ إذا غنى
....أبى الطيرُ أنْ يغردَ
لم أدرِ ما الحبُ حتى لقيتُها
وبالحبِ قدْ عرفتُ المولدَ
وعن أسمى مراتب العشق:
كم تمنيتُ أديمَ الأرضِ من جسدي
فسيري يا عمري على فرحِ جثماني
إلى متى أبقى في الحريقِ مشتعلاً
وتستبيحينَ الهجرَ في ظلِّ نيراني
وعن فلسفته الحوارية أنشد رائعته:
أينَ أنتِ فقدْ زادَ الشوقَ محرقَهُ
أينَ أنتِ تحرقُني النارُ و إياكِ
أسألُ الطيرَ و الرياحَ و العاشقينَ
عن بلوغِ شعري رغمِ البعدِ مداكِ
أسأل قارئةَ الأبراجِ عن قدري
ثم رحتُ أسألها ما الذي أبكاكِ
وعن رثاء ذاته:
لا تنتظرْ موتي واكتبْ رثائي
يا صاحِ أنا مِتُ وإن ظلَّ بقائي
لا تحسبَّن ذاكَ الموتَ قبراً
وإكليلاً يفوحُ وحِدادَ الرداءِ
إنَّ الموتَ ما أضعناهُ من أملٍ
حُلُماً رسمناهُ في أحداقِ المساء ِ
فتعالي معي لنقرأ بفيضان ما كتب بفيضان.